المقالات -
الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة

: 439
السبت,16 مارس 2024 - 08:11 ص
د. عادل عبدالصادق
جريدة الاهرام 16 مارس 2024

تضمن قرار محكمة العدل الدولية إلى جانب مطالبة إسرائيل بوقف أعمال الإبادة الجماعية فى غزة، تحذيرها من العبث بالأدلة، والتى تتضمن طبيعة مادية وأخرى غير مادية، وتأتى الأخيرة بصيغة رقمية يتم إنتاجها ونشرها واستخدامها وتخزينها عبر البيئة الرقمية والتى توثق سير المعارك وسلوك الأطراف المتحاربة فى زمن الحرب،

الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى غزة
اضغط للتكبير

وأقر بحجية تلك الأدلة العديد من النظم القانونية والقضائية الحديثة، فى إثبات أو منع أو الحد من انتهاكات حقوق الإنسان أو القانون الدولى الإنسانى. وتنوعت الأدلة الرقمية لجرائم الحرب فى محتواها ما بين الصورة أو الفيديو أو الصوت أو النص أو الوثيقة. ولتوفر بذلك معلومات مفتوحة المصدر يتم الحصول عليها عبر تطبيقات التقنية والانترنت والأقمار الاصطناعية، والتى تساعد فى تقديم قرائن للأدلة ذات طبيعة زمنية ومكانية وموضوعية حول جرائم الحرب. والتى تلعب دورا فى إجراء التحقيقات مفتوحة المصدر حول التخطيط لجرائم الحرب أو تنفيذها. والأخذ بعين الاعتبار مدى الامتثال للمعايير القانونية والأخلاقية؛ وإثبات العلاقة بين الفعل والمسئول عنه سواء كان فردًا او حكومة أو منظمة دولية أو غير حكومية.

ودخلت الأدلة الرقمية فى عمل لجان التحقيق وبعثات تقصى الحقائق التابعة للأمم المتحدة، وذلك لمواجهة نقص جمع المعلومات وصعوبة وصول المحققين إلى مكان وقوع الجرائم قيد التحقيق ، وعدم تمتع معظم المحققين بسلطات إنفاذ القانون فيها. وكشفت الخبرة الدولية فى عام 2012 عن أن محكمة العدل الدولية استعانت بالأدلة الرقمية لاتهام الرئيس الليبيرى السابق تشارلز تايلور بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأطلقت أوكرانيا بمساعدة غربية نظامًا لجمع أدلة اتهام بارتكاب جرائم الحرب ضد روسيا تحت اسم كتاب الجلادين.

وفى ظل بيئة رقمية غير مسبوقة جاءت حرب إسرائيل على غزة ولتصبح هى الأكثر تدميرا وتصويرا وتوثيقا وتنوعا للمحتوى المرتبط بها عبر المنصات الرقمية، والتى كشفت عن أدلة حول جرائم الحرب أصبحت على مرأى من الرأى العام العالمى والتى كان مصدرها إما وسائل إعلام إسرائيلية او حسابات رسمية للمسئولين السياسيين والعسكريين. والمحتوى الذى يتم بثه من بعض القنوات الفضائية او النشطاء المحايدين او المتعاطفين او المراقبين للصراع، وتوثيق شهادات الضحايا من المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، وإمكانية استخراج بصمات وبيانات رقمية من الأجهزة، أو رسائل البريد الإلكترونى أو عبر المنصات الرقمية. وساعد كل ذلك فى توثيق عملية الربط بين النوايا برصد التصريحات العنصرية للمسئولين الإسرائيليين وعملية التنفيذ لجرائم الإبادة الجماعية ونتائجها المدمرة سواء على المنشآت المدنية او المدنيين العزل المحميين بموجب قانون الحرب.

وتواجه الأدلة الرقمية بتحديات ذات طبيعة فنية تعتمد على مدى توافر موثوقيتها وصحة وسلامة جمعها وتخزينها وحفظها وإتاحتها للمساعدة فى فهم وتفسير السياق الذى وقعت فيه جرائم الحرب. وهناك اعتبارات تقنية أخرى ترتبط بتأثير التغيير فى طبيعة الخوارزميات المصنفة للبيانات فى حذف المحتوى أو تحجيم انتشاره عبر المنصات الرقمية، وهو ما يمكن ملاحظته مع اختفاء جزء كبير من فيديوهات فى مناطق سابقة للصراع مثل سوريا والعراق. وتحدى تمويه وجوه المتهمين فى مقاطع الفيديو بما يحد من تتبعهم مثلما أقدمت عليه إسرائيل مؤخرا.

ومشكلة تحيز القائمين على الإشراف على المحتوى سواء بالتوافق مع مواقف إدارة الشركات المشغلة أو لاعتبارات شخصية، وإمكانية تسويغ الحذف للأدلة تحت ذريعة الحض على الكراهية أو العنف أو انتهاك الخصوصية. وتحتفظ الشركات بالأدلة الرقمية فى خوادمها وتسيطر على إتاحتها وتخضع معالجتها لاعتبارات سياسية أو قانونية مرتبطة بها، وتهيمن الولايات المتحدة عليها وإمكانية قيامها بتصنيف تلك الأدلة بانها بيانات حساسة يهدد الكشف عنها الأمن القومى لديها، وهناك بعد قانونى آخر يرتبط بتصنيفها لعدد كبير من حركات المقاومة الفلسطينية على انها منظمات ارهابية، وهو ما يبرر حذف المحتوى بحجة مكافحة الارهاب وإمكانية قيام جماعات ضغط صهيونية بشن حملات لتقديم بلاغات ضد المحتوى لإزالته بحجة انتهاك معايير المجتمع.

وإشكالية تحقيق التوازن لعملية إزالة مقاطع الفيديو العنيفة بين عرض الانتهاكات وحماية المستخدمين من المحتوى الضار من جهة ومدى تأثير إتاحتها على اتساع دائرة العنف او الصراع من جهة ثانية. ومدى احتفاظ تلك الشركات التقنية بأدلة جرائم حرب ومشاركتها وتأثير ذلك المحتمل على انتهاك الخصوصية او حقوق الملكية الفكرية او حقوق النشر للمنصات الرقمية. وتحدى قيام أى هيئة دولية بإلزام الشركات بمشاركة الأدلة او الإفصاح عنها او حمايتها، او الوصول لها مع عدم امتلاك محققى جرائم الحرب سلطة إصدار أمر تفتيش يمكنهم منها. وتفرض تحديات الأدلة الرقمية أهمية فهم القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات وطبيعة الاختصاص القضائى والمساءلة ومعرفة سلطات وواجبات التحقيق وبضرورة قيام الشركات التقنية بإنشاء أرشيف رقمى لها وتوفير التمويل اللازم لحفظها بمشاركة المجتمع المدنى فى مراكز بيانات متعددة، وامكانية قيام هيئات تحكيم دولية بالاشراف عليها.

وأهمية تفهم المحققين المتخصصين فى المصادر المفتوحة للأطر القانونية التى يعملون فيها مثل القانون الدولى العام أو القانون الدولى لحقوق الإنسان أو القانون الدولى الإنسانى أو القانون الجنائى الدولي، والتى تشكل مبادئ الحفاظ على الامن الجماعى الدولى ومواجهة عناصر تهديده، ومنها تعزيز إجراء تحقيقات تضمن العدالة الدولية، وهو الأمر الذى يعلى من أهمية الأدلة الرقمية حول جرائم الحرب ليس فقط فى ساحة القضاء الدولى بل كذلك فى معركة بناء الوعى الجمعى لدى الأجيال القادمة بشأن القضية الفلسطينية.

المصدر

https://gate.ahram.org.eg/daily/News/935626.aspx


Share/Bookmark

اقرأ ايضآ

  • الذكاء الاصطناعي التوليدي يصل إلى عالم «التحرير الجيني»
  • هل «الإنترنت» عدوَّة التقدم؟
  • إفريقيا تجد ضالتها في العملات الرقمية
  • الذكاء الاصطناعي .. استثمارات متنامية
  • تعدين بيتكوين .. هل ستنتهي اللعبة؟
  • فيسبوك
    تعليقات


    غزة وتوجهات جيل زد نحو تغيير قواعد الحوكمة العالمية
    كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن متغيرات جديدة فيما يتعلق بعملية صناعة وتشكيل الرأي العام العالمي و

    المغرب يدخل عصر صناعة البطاريات الالكترونية
    في خطوة مهمه لدعم الاقتصاد المغربي من جهة وصناعة السيارات من جهة اخرى اعلنت المملكة للمرة الأولى عن

    قانون الأسواق الرقمية الأوربية وحوكمة الشركات الكبرى
    في 6 مارس 2024 دخل حيز التنفيذ قانون الاسواق الرقمية،داخل الاتحاد الاوربي والذي تم اقراره عام 2022

    موضوعات جديدة
    الأكثر قراءة
    الأكثر تعليقا
    الى اي مدى انت راض على اداء المنصات الرقمية في الحرب على غزة ؟
    راضي
    غير راضي
    غير مهتم
     
        
    سيادة الدولة في العصر الرقمي للدكتور عادل عبد الصادق
    التاريخ